الرئيسية إقتصاد حكمة الساسة الاقتصاديين!..أين هي؟

حكمة الساسة الاقتصاديين!..أين هي؟

25 يونيو 2021 - 14:30
مشاركة

حكمة الساسة الاقتصاديين!..أين هي؟
بقلم عمر بنشقرون، مدير مركز المال والأعمال( الجزء الأول)

حظيت المسألة الإقتصادية طيلة عقدين من الزمن باولوية مطلقة لجل الحكومات التي تعاقبت على بلادنا، الا انها فشلت في تحقيق النمو و الاستقرار الاقتصادي المنشودين رغم وجود برامج و مخططات على الورق، و لكن ينقصها التنفيذ على أرض الواقع و ذلك يعود الى ظرف دولي صعب جدا و أحوال داخلية لا يسودها الانسجام الداخلي ولا حالة الوفاق بل يطغى عليها التطاحن و الصراع السياسي وان كان هذا الصراع امرا طبيعيا الى مدى معين لا ان يتواصل بوتيرة مرتفعة متجاهلا مطالب المواطنين و مصلحة الوطن.
ما من شك في تطوير الإقتصاد عامة. و حل مشكل عجز الميزانية خاصة لن يتم الا عبر عملية ادارة تشاركية بالاستماع الى الفاعلين السياسيين و الإقتصاديين و الماليين من ذوي الخبرة في المالية و الاقتصاد السياسي.
و اود هنا، ان اطرح الموضوع على اساس منطلقات نظرية و مطبقة على الواقع المغربي:
إن السياسة الإقتصادية ببللدنا تتكون تفصيلا من مجموعة من السياسات:

اولا- السياسة الفلاحية: يعتبر المغرب بلدا زراعيا و من البلدان الرائدة في العالم في إنتاج زيت الزيتون. ففي العام الفارط كان المحصول من زيت الزيتون قياسيا و بسبب الجائحة لم يتم تصدير الكثير منه بحيث ان مخزون الموسم الفارط توفر في الأسواق الوطنية. وقد كان سعر اللتر الواحد في العام الفارط في متناول عدد كبير من المستهلكين. اما محصول هذه السنة فكان اقل بنسبة 30 % من الموسم الفارط، و لذلك تم الالتجاء الى المخزون المتبقي من إنتاج الموسم الماضي. كما ان السعر ارتفع و على غير العادة.
كذلك، انحباس المطر لبعض الوقت أثر سلبا على انتاج الحبوب كالقمح و الشعير.
و علاقة بالقطاع الفلاحي ثمة بعض المشاكل التي تخص الأراضي و التي وقع كراؤها لمدة معينة او الاستيلاء عليها قانونيا بثمن بخس.
و لا بد هنا من ضرورة إيلاء العدالة الاجتماعية كل العناية و الإهتمام لأنها أساس التنمية و العمران كما قال العلامة عبد الرحمان بن خلدون في مقدمته الشهيرة.
كما ان مشكلة نقص المياه السقوية و حفر الآبار العميقة لتحسين طريقة الري ضرورة ملحة و لا بد من تسخير وسائل الإنتاج بتقوية رأس المال و تحسين خصوبة الأرض بغية الرفع من المحاصيل كما و نوعا و ذلك بتعميم الفلاحة البيولوجية.

ثانيا: السياسة التجارية
إن التجارة الخارجية على علاقة وثيقة بكل اجزاء السياسة الاقتصادية العامة للدولة و لا يمكن ان يقوم اقتصاد دولي بدون تجارة دولية و حتى الميزان التجاري نفسه يقوم على التوازن بين الصادرات و الواردات، الا انه نعاني منذ سنوات قليلة من عجز في الميزان التجاري. و ترتبط التجارة الخارجية بعمليات الانتاج و الاستثمار. هذا الاستثمار الذي يلعب دورا هاما في التنمية و التشغيل.
و تقوم استراتيجية التجارة الخارجية على المبادىء الاتية:
: 1- الاستقلال الاقتصادي، و يتحقق ذلك من خلال العلاقات الاقتصادية و التجارية و الفنية مع الدول الاخرى و من خلال التوزيع الجغرافي السياسي للواردات و الصادرات بين الدول و المجموعات الدولية المختلفة.
: 2- البعد القومي- و يتحقق من خلال زيادة اعتماد الاقطار العربية بعضها على البعض الآخر وصولا الى تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية المنشودة. لكن الى حد الان لا توجد ” سوق عربية مشتركة ” و لا وحدة نقدية عربية مشتركة ، حتى ضمن دول المغرب العربي ، مثلما هو حال دول الاتحاد الاوروبي.

:3- تغطية احتياجات التنمية الإقتصادية و الإجتماعية من خلال توفير السلع و خصوصا السلع الإستهلاكية المختلفة و كذلك تغطية لاحتياجات المشاريع الإنتاجية القائمة واحتياجات السوق المحلية.

: 4- حماية و تشجيع الصناعة الوطنية، و ذلك عن طريق توفير الحماية الجمركية و التسعير و كذلك التحديد الكمي للواردات في ظل التحديات الراهنة خصوصا مع إسبانيا المورد الأساسي لبلدنا و توسيع أسواق الصادرات الوطنية مع دول أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية.
كما تلعب الصناعة خصوصا في هذه الظروف شديدة القسوة و الخطورة دورا مركزيا فكان لزاما على الحكومة من المضي قدما في مساعدة وانشاء شركات قادرة على توفير بعض المستلزمات وان تحكم سيطرتها عليها بهدف تحقيق التوازن بين العرض و الطلب و هو قانون السوق و الاستجابة لرغبات الافراد اضافة الى الاسهام في دعم و تنمية الاقتصاد و تطوير بنيته الهيكلية.

(الجزء الثاني)
ثالثا- السياسة الصناعية:
لا يعد المغرب بلدا صناعيا باستثناء بعض الصناعات المعملية و يتميز بتنصيبه المرتبة الاولى عالميا في انتاج الفسفاط و تصديره. لكن بسبب مشاكل التنقيل والتصدير وتأثير الظرفية الراهنة نقصت موارده وأثر ذلك سلبا على الميزان التجاري.

و يؤدي القطاع الصناعي دورا مهما في تحقيق تكوين راس المال المطلوب لعملية التنمية، لذلك فإن التوسع والتنفيذ المعقلن للانتاج الصناعي وفق الخطط المرسومة والرؤى التي جاءت في تقرير النموذج التنموي الجديد 2021 سيؤدي الى زيادة الموارد المالية التي ستستثمر في عملية التنمية.

و يعاني قطاع النسيج كذلك ضعفا في استعادة عافيته. بينما يبقى قطاع الصناعات الغذايية نشطا و كذلك الصناعات البلاستيكية و لا بد من تشجيع التنمية مثل هيكلة مصانع عجين الورق و الحلفاء في مناطق الشرق حتى تعود بالنفع على ساكنة المنطقة في ظل الأوضاع المزرية الجد مؤسفة التي تخيم عليها.
دون أن ننسى، أن على الدولة تقديم قروض بخدمات تشاركية ذات صرفة اسلامية تشجيعا للتنمية الصناعية في اطار خطة حكومية تعتمد مبدا التخطيط الشامل الذي يضمن التكامل والارتباط المتبادل في عملية النمو بين القطاع الصناعي و بقية القطاعات الاقتصادية الاخرى كالقطاع الفلاحي و قطاع النقل و المواصلات و التشييد.

رابعا-سياسة الخدمات:
في اعتقادي ان مردود قطاع الخدمات لا يزال ضعيفا و دون المأمول و يعاني من عديد النقائص كالنقل و المواصلات خصوصا في مناطق الشرق و كذلك مشكلة السكن خصوصا في المدن الكبرى رغم مجهودات الدولة في تمكين عدد من العائلات الفقيرة من مساكن اجتماعية.

اما قطاعا التعليم و الصحة فيمران بازمات متلاحقة خصوصا الذي تتاثر كثيرا بهجرة الاطباء والدكاترة والمهندسين تاكدت الحاجة اليهم اثاء التفشي السريع لفيروس كوفيد-19 المستجد.

و يمكن ان يلعب قطاع الخدمات ( او ما يطلق عليه بالبنى الارتكازية) في صورة تطويره دورا في زيادة انتاجية المجتمع عن طريق تنمية المهارات البشرية و رفع المستوى الثقافي و المستوى الصحي و ضرورة ربط مراكز الانتاج و مختلف مناطق بلادنا بطرق نقل و اتصالات تخدم الانتاج و تسويقه و تشجيع انشاء المراكز الصناعية في مختلف الجهات، و التي تشكو خللا مقارنة بالشريط الساحلي بهدف تحقيق التنمية المتوازنة بين جميع القطاعات و المناطق المختلفة في المملكة.

و من بين الخدمات الحيوية و الاساسية و التي تعرف وضعا مترديا الى حد ما قطاع الكهرباء و الماء في المغرب العميق، فلنا مشكلة في الطاقة الكهربايية مع النمو الديمغرافي و ازدياد الطلبات اليومية للسكان. الا انهم يشتكون من ارتفاع فواتير استخلاص الكهرباء و الغاز و الماء هذه الايام الا ان ثمة ملاحظة اود الاشارة اليها و هو انه في بعض المناطق لا تتم عملية المراقبة او استخلاص الفواتير في الماء و الكهرباء بنفس الطريقة التي تتم بها في مدن أخرى.

خامسا- السياسة المالية و النقدية

تمثل السياسة النقدية وجها من اوجه السياسة الاقتصادية المالية و هي تتمثل في التأثير في السيولة النقدية ( زيادة او نقصان ) و تحديد أسس الائتمان البنكي بما يوفر مستلزمات النهوض الاقتصادي.

و تدخل وظيفة بنك المغرب في اطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة في تحقيق الاهداف المرسومة و الاسهام في تعجيل النمو المالي و رفع مستوى المعيشة بتوفير الموارد النقدية و المالية الضرورية للخطط التنموية وفق الإمكانات المتاحة.
إلى جانب ذلك، يعمل بنك المغرب على تحقيق الاستقرار النقدي و الإقتصادي كالمحافظة على استقرار سعر صرف الدرهم. و بذلك أصبحت وظيفته اتباع اسلوب التخطيط في مجال النقود و الائتمان بشكل ينسجم و أهداف الخطة الإقتصادية التي تتضمن:

1- تحديد حجم التسليف المؤقت لأغراض اعداد الميزانية
2- وسائل السياسة النقدية، فتتمثل في نسبة الاحتياطي القانوني و في سعر الفائدة. فبنك المغرب يقوم بتعيين نسب الفوائد لعمليات الائتمان بصورة تؤمن أهداف السياسة الإقتصادية و معالجة الأزمات النقدية في حالتي التضخم و الانكماش.
3- عمليات السوق المفتوحة، و يقصد بها قيام بنك المغرب بالتدخل في سوق الأوراق المالية عن طريق قيامه بعمليات بيع و شراء الأوراق المالية الحكومية و غيرها بهدف التأثير في كلفة و حجم العرض الكلي للنقود و الائتمان بما يتفق و مستوى النشاط الإقتصادي المرغوب فيه.

وخلاصة، أود القول ان ميزانية الدولة العمومية هي في صلب السياسة المالية، حيث تتاثر بالخطط الإقتصادية التنموية التي تهدف الى تحقيق تنمية شاملة و هذا ما ينعكس على السياسة المالية بتشكيل خطط تنموية مبرمجة.
و تتلخص السياسة المالية في تمويل الموارد و تخصيصها لخدمة الأغراض الجماعية و توزيع ما يتطلبه هذا التمويل من أعباء على المواطنين كافة بالعدل. و تتكون وسائل السياسة المالية من الإنفاق العام و الضرائب و القروض العامة و فائض المشروعات العامة و غيرها من الايرادات العامة. و تخضع هذه الكميات المالية في كثير من جوانبها و في معظم اثارها نتيجة لذلك لسلطة الدولة و من ثم ياتي استخدام هذه الادوات و توجيهها نحو أغراض جماعية بعينها اي انها تحتل مكانتها بوصفها أدوات للتخطيط المالي و الإقتصادي. وهذه هي اللبنات الأساسية المرجو برمجتها في النموذج التنموي الجديد و تنزيلها في اقرب الآجال.