الرئيسية سلايدر المهاجرون غير النظاميين وكورونا: المعاناة المزدوجة

المهاجرون غير النظاميين وكورونا: المعاناة المزدوجة

20 مارس 2021 - 18:08
مشاركة

بالرغم من التراجع الملموس في عدد المهاجرين غير القانونيين نحو أوروبا والذي انخفض بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية إلا أن حركة الهجرة غير النظامية للقادمين من جنوب الصحراء لم تتقلّص جراء القيود المفروضة على التنقل داخل المدن وبينها.

 

تحميل المقال

 

مقدمة

في يوم 18 يونيو 2020، أنقذت وحدات خفر السواحل التابعة للبحرية الملكية المغربية ثلاثة وتسعين من الساعين للهجرة السرية[i] قادمين من بلدان إفريقية جنوبي الصحراء الكبرى[ii]، كانوا على متن قوارب متهالكة تقليدية الصنع بينهم خمسة عشرة امرأة وعدد من القاصرين والأطفال في عرض البحر المتوسط. في الوقت ذاته، أعلنت السلطات الإسبانية وصول 986 مهاجرا من جنوب الصحراء إلى أراضيها ما بين منتصف مارس و3 ماي الماضيين[iii]، رغم إغلاق المغرب حدوده منذ 12 مارس[iv] وفقا للإجراءات الاحترازية ضدتفشي فيروس كوفيد-19. كما قامت السلطات المغربية بإحباط عمليات هجرة غير نظامية خلال أشهر الحجر الصحي، من بينها توقيف 157 شخصا سعوا للهجرة غير النظامية معظمهم من جنوب الصحراء في عرض المتوسط والأطلسي ما بين 2 و4 ماي[v]، وإحباط انطلاق مهاجرين غير نظاميين (لم يحدد عددهم) نحو جزر الكناري على متن قارب بمدينة طرفاية (جنوب) في 14 يونيو، تبين أن 37 منهم كانوا مصابين بفيروس كوفيد-19[vi].

تظهر هذه المعطيات أن دينامية الهجرة الغير نظامية لم تتوقف بالرغم من إجراءات حالة الطوارئ الصحية في المغرب. فبالرغم من التراجع الملموس في عدد المهاجرين الغير قانونيين نحو أوروبا والذي انخفض بنحو 24 بالمئة مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2019 بمجموع 1295 مهاجرا[vii]، إلا أن حركة الهجرة غير النظامية للقادمين من جنوب الصحراء لم تتقلّص جراء القيود المفروضة على التنقل داخل المدن وبينها بسبب فرض حالة الطوارئ الصحية[viii] التي جرى تمديدها خمس مرات حتى 10 شتنبر 2020[ix].

إن استمرار عمليات الهجرة غير النظامية في ظل حالة الطوارئ الصحية – رغم انخفاض أعداد الساعين لها –يعمق من المعاناة المضاعفة لهذه الفئة. ففي الأوضاع العادية فإن هؤلاء المهاجرين الغير نظاميين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء يعتبرون في نظر الأمم المتحدة “فئة هشة”[x] تعاني تحديات جمّة في الحصول على العلاج الطبي وتأمين الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، ومما يزيد في معاناة هؤلاء غياب مراكز إيواء خاصة بسبب رفض الحكومة المغربية توفيرها لهم[xi]. إلا أن أزمة كورونا عمقت من معاناة هذه الفئة بسبب إجراءات السلطات في فرض حالة الطوارئ الصحية، والتي تزيد من تفاقم أوضاعهم بسبب عدم تسليم السلطات لوثيقة التنقل مما جعلهم يواجهون خطر التوقيف أثناء التنقل لاقتناء ما يحتاجونه من أغراض. بالإضافة إلى عدم اتباع السلطات الإجراءات الوقائية أثناء وضعهم في مركز الاحتجاز، هذا بالإضافة إلى صعوبة الحصول على القوت اليومي وما يحتاجون من مواد غذائية نتيجة قيام السلطات بفرض حالة “حصار” مضاعف على المخيمات التي يقطن بها المهاجرون الغير نظاميون خلال فترة الحجر الصحي، خاصة مع تقييد لحركة الدخول والخروج إليها ومنع جمعيات المجتمع المدني من الوصول إليها لإيصال المساعدات الغذائية والطبية إليهم[xii]. كما عملت السلطات على إبعاد المهاجرين من المدن الرئيسية والمناطق الحدودية، مثل مركز إركمان بالناظور (شمال شرق المغرب)، وترحيلهم بعيدا نحو مدن الجنوب (مثل مراكش وتزنيت وبني ملال وغيرها)[xiii]. ويزيد هذا الترحيل القسري في تعميق الهشاشة لديهم، وإعادة مسار اندماجهم الاجتماعي إلى نقطة الصفر، وبالتالي إجبارهم على الانطلاق من جديد نحو المدن والمناطق التي تم إبعادهم إليها[xiv]. وعلى هذا المنوال، يصبح المهاجرون غير النظاميون من دول إفريقيا يمرون عبر باب دوار لا يفتح أمامهم أمل الاستقرار.

تركز هذه الورقة على تحليل أثار إجراءات فرض حالة الطوارئ الصحية على المهاجرين الغير نظاميين في المغرب من خلال محورين يتناول الأول معاناة المهاجرين الغير نظاميين في المغرب خلال الأوضاع العادية، ويتطرق الثاني للمعاناة في زمن جائحة كورونا.

 

1.    السياق وخريطة الإنتشار

قبل تحليل التحديات التي يواجهها المهاجرون غير النظاميون من جنوبي الصحراء في المغرب، من المهم تقديم صورة واسعة حول الظاهرة، حيث يعتبر المغرب في السنوات الأخيرة بلد منشأ واستقبال وعبور للمهاجرين، لذلك فإن دينامية الهجرة غير النظامية لم تتوقف بالرغم من سن المغرب سنة 2014 سياسة جديدة في مجال الهجرة واللجوء تقوم على إدارة تدفق المهاجرين وتسهيل اندماجهم داخل المجتمع المغربي، إضافة إلى محاربة الاتجار في البشر.

ويعتبر المغرب نموذجا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسياسته في مجال تدبير الهجرة. فقد تم تنزيل هذه السياسة الجديدة للهجرة عبر 11 برنامجا و81 عملية همت إجابات متجددة للتحديات التي تطرحها قضية الهجرة[xv]. كما أن من نتائج هذه السياسة إطلاق حملة استثنائية لتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين المقيمين بطريقة غير قانونية بالمغرب أسفرت عن تسوية أزيد من 23 ألف حالة تمثل 83 في المائة من العدد الإجمالي للطلبات المقدمة في المرحلة الأولى سنة 2014، وما يقارب 20 ألف طلب في المرحلة الثانية بين متم دجنبر 2016 ومتم دجنبر 2017[xvi].

هذه السياسة أهلت المغرب ليقدم خطة عمل إفريقية بشأن الهجرة خلال القمة الثلاثين للاتحاد الإفريقي بأديس أبابا في 29 يناير 2018 ويترأس بشراكة مع ألمانيا المنتدى العالمي للهجرة والتنمية الذي انعقدت قمته الحادية عشر بمراكش بين 5 و7 دجنبر 2018، ويحتضن قمة لمنظمة الأمم المتحدة لأول مرة في مدينة مراكش بين 10 و11 دجنبر 2018 خصصت للمصادقة على الميثاق العالمي من أجل هجرات آمنة.

ولكن بالرغم من ذلك، لا زالت هناك صعوبات تواجه دراسة ظاهرة الهجرة غير النظامية في المغرب، وعلى رأس هذه الصعوبات غياب معلومات رسمية تحصر عددهم بشكل دقيق وكذا خريطة انتشارهم.

يقدر عدد المهاجرين الغير نظاميين ما بين 25 ألفا و40 ألفا، معظمهم من دول جنوب الصحراء، وفق تقديرات وزارة الداخلية سنة 2013[xvii]، ولحدود الساعة لا توجد إحصاءات رسمية محينة حول أعدادهم.

وقد توصّلت المعاينة الميدانية التي أجراها الباحث والتي تضمنت حوارات معمقة مع المهاجرين إلى أنهم ينتشرون أساسا في ثماني مدن تعتبر مراكز تجمّع رئيسية: أربعة منها في الشمال وتُطل على المتوسط (طنجة، وتطوان، والحسيمة، والناظور)، وثلاثة في الوسط (العاصمة الرباط، والدار البيضاء، وفاس)، وواحدة في الشرق هي وجدة التي تعتبر بوابة المهاجرين غير النظاميين رغم الحدود المغلقة مع الجزائر منذ نحو ربع قرن.

رغم جاذبية هذه المدن لمهاجري جنوب الصحراء لأسباب متداخلة، يمتدّ انتشارهم أيضا إلى ستّ عشرة مدينة أخرى بسبب موقعها كمناطق عبور أو لكونها هدفا لعمليات التّرحيل التي تقوم بها السلطات، في مقدمتها تيزنيت وأكادير وإنزكان ومراكش، تليها آسفي وبني ملال وخريبكة وبنجرير وقلعة السراغنة، فالفقيه بنصالح وسوق السبت وورزازات وتنغير والراشيدية وزاكورة، ثم أزيلال آخر مدينة استقبلت مهاجرين مُرحّلين في يونيو 2019. ويتخذ المهاجرون من هذه المدن محطة استراحة قسرية قبل بدء رحلة عودتهم إلى المدن الرئيسية للاعتبارات التالية:

– وجدة: تعدّ هذه المدينة بفضل موقعها الجغرافي على الحدود مع الجزائر المنفذ الرئيسي للمهاجرين غير النظاميين، وأيضا محطة استراحة من رحلة جحيم طويلة قادتهم من بلدانهم الأصلية جنوبا إلى المغرب أقصى شمال إفريقيا. ورغم أن الحدود مع الجزائر مغلقة منذ ربع قرن، لم يمنع هذا الوضع تدفق مهاجري جنوب الصحراء، الذين يتسللون بمساعدة مهربين ينشطون على الحدود بين البلدين[xviii] إلى قرية بني درار التابعة لإقليم وجدة على بعد 23.2 كلم، وذلك انطلاقا من مدينة مغنية الجزائرية الواقعة في ولاية تلمسان بالغرب الجزائري على بعد 15 كلم من المركز الحدودي المسمى ب”العقيد لطفي” جزائريا، وب”زوج بغال” مغربيا. وخلال العقد الماضي، كان المهاجرون غير النظاميين يستقرون أساسا في ثلاثة مخيمات عشوائية إما بمحاذاة كلية الحقوق، أو غابة حي المساكين، أو الطريق الحدودي غالا في وجدة، قبل أن تشن السلطات سنة 2015 حملة لتفكيك هذه المخيمات، أرغمت عددا من المهاجرين على مغادرة المدينة، فيما اختار البعض الآخر كراء شقق سكنية محاذية لمحيط المخيمات. ومن أجل تدبير لقمة عيشهم، يعتمد المهاجرون على التسول ومساعدة المواطنين المغاربة، فيما يستفيد المسيحيون منهم من المساعدات التي تقدمها لهم الكنيسة الكاثوليكية بالمدينة.

– الناظور: رغم تفكيك السلطات في فبراير 2015 مخيمات المهاجرين الأفارقة غير النظاميين بغابة غوروغو[xix] القريبة من مدينة مليلية المحتلة بأقل من 16 كيلومترا، والتي كانت محطة لتجميع المهاجرين الراغبين في دخول مليلية بطرق غير شرعية، مازالت الناظور أهم محطة لاستقبال المهاجرين وتستمد رمزيتها من كونها المحطة الأخيرة للراغبين في التسلل لأوروبا عبر السياج الحدودي لمليلية المحتلة، لكون غابات أخرى مازالت ملاذا لآلاف المهاجرين الطامحين إلى اقتحام السياج. تجربة قد تتكرر أكثر من مرة لدى الأشخاص أنفسهم رغم استمرار الحملات الأمنية في هذه الغابات أدّت في عام 2018 إلى اعتقال حوالي 9100 مهاجرا وترحيل نحو 3000 آخرين إلى مدن وسط وجنوب المملكة، من بينهم 700 تم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وحدوث خمس وفيات داخل المخيمات بسبب الظروف المعيشية الصعبة[xx].

– تطوان: ما يقال عن الناظور ينطبق جزئيا على تطوان البعيدة عن السياج الحدودي لمدينة سبتة المحتلة بأقل من 40 كيلومترا، حيث تعتبر الخيار الثاني المفضل للمهاجرين الطامحين في الهجرة عبر اقتحام السياج الحدودي. وكانت غابة “بليونش” التابعة لعمالة المضيق-الفنيدق، الواقعة على بعد 7 كيلومترا عن سبتة مستقرهم لسنوات، قبل أن تنظم السلطات في غشت 2019 حملة واسعة النطاق في هذه الغابة وتفرض طوقا أمنيا عليها حال دون حصول تجمعات للمهاجرين أو إقامة مخيمات جديدة.

– طنجة والحسيمة: تعتبر هاتان المدينتان منفذا لأوروبا عبر قوارب الموت بسبب واجهتيهما البحريتين. لكن رغم التشابه بينهما فلا تخلوان من اختلاف، فالمهاجرون في طنجة يكترون شققا بعدد من أحيائها السكنية على رأسها حي “بوخالف” الذي أصبح معروفا بين الساكنة المحلية باسم حي “الأفارقة”، وسط حديث عن احتلال بعضهم شققا تعود ملكيتها لأشخاص يقطنون خارج البلاد[xxi]. أما في الحسيمة،فيختبئ المهاجرون في غابات باتفاق مع الميسّرين (المهرّبين) بانتظار موعد الرحلة الموعودة، وعلى طول الغابات المجاورة على الطريق الفاصلة بين سلوان والحسيمة يتجمّع بين الفينة والأخرى عدد من المهاجرين كلما اقترب موعد محاولة اقتحام جديدة.

– الدار البيضاء: بدأ تدفق أفواج المهاجرين إلى هذه المدينة منذ بدء عمليات ترحيلهم من الشمال وتوزيعهم بين عدة مدن، فحظيت بالنصيب الأكبر منهم منذ مطلع 2017. وتمكن المئات منهم من تشييد مخيم كبير قرب محطة ولاد زيان الطرقية (محطة الحافلات) التي تربط بين المدن. ولكن هذا الموقع شهد حرائق متكررة وأحداث عنف بين القاطنين فيه وسكان الأحياء المجاورة تضاربت أسبابها، مما جعل رجال الأمن يطاردون كل من ضبط خارج السياج الحديدي المحيط بالمخيم. ولا ينحصر وجود المهاجرين على من تم ترحيلهم من مدن الشمال، فالمدينة الأكبر في المغرب تظلّ ذات جاذبية بالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين الساعين لكسب مبالغ مالية من امتهان التسول أو العمل في حمل السلع بأسواقها الكبرى التي تعرف رواجا كبيرا، على أمل ضمان ما يكفي لبدء رحلة العبور إلى أوروبا.

– فاس: مدينة بعيدة عن المنافذ البحرية، غير أنها ملاذ آخر لمهاجري جنوب الصحراء، لكونها كانت تشمل أكبر مخيم عشوائي كان يسع مختلف الجنسيات الأفريقية، وأقيم فوق عقار تابع للسكك الحديدية، قبل أن يجري تفكيكه وإخلاؤه بالكامل منتصف2018[xxii]. ولا يزال عدد من المهاجرين يقيمون في المدينة ويكترون شققا سكنية في بعض أحيائها الشعبية، ويمتهنون التسول عند إشارات المرور وفي المدارات الطرقية.