الرئيسية أقلام حرة مكافحة الإرهاب بالمغرب خلال فترة الحجر الصحي

مكافحة الإرهاب بالمغرب خلال فترة الحجر الصحي

20 مارس 2021 - 18:03
مشاركة

أدى التكثيف الأمني بالشوارع وتقويض حركات النقل والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن السياق الدولي المُرتبط بالتحول إلى المجال السيبراني في الخطابات الراديكالية والتركيز الإعلامي نحو قضايا الصحة إلى تراجع تفكيك الخلايا الإرهابية خلال فترة الحجر الصحي.

 

مها غازيمها غازي

 

مُقدمة

منذُ إعلان حالة الطوارئ الصحية يوم 20 مارس/ آذار 2020 بالمملكة على إثر انتشار فيروس كوفيد 19، لم يتم الإعلان عن تفكيك أي خلية إرهابية من قبل المكتب المركزي للأبحاث القضائية- إلى غاية بدء إجراءات التخفيف يوم 20 يونيو/ حزيران 2020- خلافًا للفترات السابقة التي عرفت وتيرة مرتفعة من تفكيك الخلايا الإرهابية بمعدل خلية كل شهر تقريبًا. تسعى هذه الدراسة إلى توضيح العلاقة ما بين السلوك الأمني الجديد خلال هذه الفترة الزمنية ومُكافحة الإرهاب على الصعيد الوطني، مع تفسير العوامل المؤدية إلى سكون أنشطة تفكيك الخلايا الإرهابية مؤقتًا.

 

تمطيط مفهوم الإرهاب في ظل الوباء

تميزت أنشطة مكافحة الإرهاب بالركود بشكلٍ لافت على الصعيد الوطني خلال فترة الحجر الصحي الذي امتد بين 20 مارس و20 يونيو 2020. فباستثناء حالاتٍ محدودة ومعزولة[1]؛ لم يسجل أي بلاغ للمكتب المركزي للأبحاث القضائية حول تفكيك الخلايا الإرهابية (إلى حدود الإعلان عن إجراءات التخفيف بيونيو/ حزيران 2020).

وفرت حالة الطوارئ فُرصة لتمطيط مفهوم الإرهاب، حيث تم استعمال أدوات مكافحة الإرهاب أحيانًا لتطبيق إجراءات الطوارئ الصحية[2]، أي أن الاعتقالات الفردية التي تتم في مواجهة أشخاص يُشتبه فيهم/ يُزعم أنهم متطرفون، هي في الواقع تتم في الغالب مُصادفةً، بدايةً بالتوقيف بسبب خرق إجراءات حالة الطوارئ.

هذا ما حدث مثلاً بتاريخ 9 أبريل/ نيسان 2020، حيث أصدرت المديرية العامة للأمن الوطني بلاغًا حول اضطرار شرطي لاستخدام السلاح الوظيفي وإطلاق رصاصات نارية بمدينة أبي الجعد لتوقيف شخصٍ يشتبه أنه متطرف. لقد حاول الشرطي استوقاف هذا الشخص لمُطالبته بالإدلاء بالوثيقة التعريفية نظرًا لارتدائه وشاحًا يحجب وجهه، لكنه تصدى للشرطي وإنهال عليه بالطعن بسلاحٍ أبيض[3]. هكذا تحول الأمر من توقيفٍ لخرق القواعد الصحية، إلى ليس فقط قتل عمد، بل محاولة القيام بمشروعٍ فردي أو جماعي يهدف لتهديد الأمن العام والحديث عن شخصٍ “مُتشبع بالأفكار المُتطرفة”، كما تمت ترقية موظف الشرطة المعني ومكافأته “نظرًا لتضحياته الجسيمة وحسه المهني العالي”[4].

وهو نفس ما حدث بمدينة سلا في شهر أبريل، حيث تم توقيف شخص مخالف لحالة الطوارئ من طرف دورية مشتركة بين الشرطة والسلطة المحلية، صودف أنه مبحوث عنه على خلفية قضايا الإرهاب وتم نقله للتحقيق بمدينة الدار البيضاء[5].

كذلك تم اعتقال الشيخ “أبو النعيم” على خلفية تشريع الإرهاب بتاريخ 17 مارس/ آذار، وهو شيخٌ سلفي قام بتصوير شريط فيديو منشور على شبكات التواصل الاجتماعي، انتقد فيه إجراء غلق المساجد من طرف السلطات، والذي كان إجراءًا احترازيًا سارعت الدولة اتخاذه في إطار توقيف جميع الأنشطة التي تتطلب تجمعات قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية. أشار أبو نعيم في هذا الفيديو إلى أن الفيروس لا يشكل خطرًا كافيًا لإغلاق دور العبادة، وهو ما اعتبرته الأجهزة الأمنية تحريضًا على العنف والكراهية وأن هذا الخطاب يبخس جهود السلطات العمومية لمكافحة الوباء ويمس بالنظام العام[6]. كما قامت السلطات باعتقال خمسة أشخاص بمدينة فاس بتاريخ 21 مارس/ آذار 2020، للاشتباه في تحريضهم على العصيان والتجمهر وخرق إجراءات الطوارئ الصحية لمكافحة كورونا، إذ عمد البلاغ إلى الإشارة إلى أن أحدهم مدان سابق بموجب قانون الإرهاب وأن شخصًا آخر هو من ذوي السوابق القضائية في الجرائم العنيفة الماسة بالأشخاص والممتلكات[7]. لقد كان مقصود الإشارة إلى سوابقهم الجنائية لتوضيح الربط ما بين خرق قواعد الصحة العامة وما بين العُنف، وهذا ما حدث في جميع هذه الاعتقالات التي خرقت إجراءات حالة الطوارئ ولو لم تتعلق بالإرهاب بشكلٍ مباشر؛ إذ شكلّت تجاوزاتها تهديدًا للأمن والنظام العام[8].

 

استمرار التنسيق الدولي في مكافحة الإرهاب خلال فترة كوفيد 19

بالرغم من تراجع وتيرة تفكيك الخلايا على الصعيد المحلي، ظلّ نشاط المغرب على مستوى التنسيق الدولي على نفس الوتيرة تقريبًا، حيث تم اعتقال مواطن مغربي في برشلونة بتاريخ 8 ماي/ أيار 2020 بفضل التعاون الأمني مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني DGST ومكتب التحقيقات الفدرالي بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي الواقع فإن الحرس المدني الإسباني قد أعلن في بيانٍ صحفي أن هذا المشتبه به كان في قائمة المُراقبة منذ أربع سنوات على الأقل، لكن الأمر أصبح مُقلقًا فقط لما خالف المشتبه به القيود المتعلقة بالحجر الصحي مرارًا، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية تشتبه على أنه قد وجد الحالة الوبائية بإسبانيا فرصةً للقيام بعملٍ إرهابي[9]؛ حينها قدم المغرب مُساعداتٍ مُهمة خلال التحقيق. كما تم تفكيك خلية أخرى عبر التعاون بين البلدين بتاريخ 20 ماي/ أيار 2020 بإسبانيا[10].

 

عوامل تراجع تفكيك الخلايا الإرهابية

يُمكن تفسير تراجع الخلايا الإرهابية خلال فترة الحجر الصحي (مارس – يونيو 2020) بخمس عوامل رئيسية وهي:

  1. التواجد الأمني المكثف

اتجه العمل الأمني نحو تفعيل المرسومين المُتعلقين بحالة الطوارئ الصحية وفرض قواعد الصحة العامة، مما أدى لتزايد الحملات الأمنية من لدن السُلطة المحلية وعناصر الشرطة في شوارع المُدن وكذا الدرك المحلي خارج النطاق الحضري عبر العديد من التكتيكات، كنقاط التفتيش والدوريات المُتنقلة، وإحداث تطبيق معلوماتي بغية رصد تنقلات المواطنين[11].

مكّن هذا التواجد المُركز والاعتقالات المُكثفة لخارقي حالة الطوارئ الصحية التي بلغت إلى حدود 31 مايو/ أيار 2020، حوالي 106.553 شخصًا[12]-ناهيك عن الاعتقالات التي طالت الفضاء الإلكتروني- من ضبط الوضعية العامة والتحكم في الحركية وفرض الحجر الصحي مما حصر الأعمال الإرهابية بأشكالٍ عدة. ورغم أن الأمر هنا يتعلق بالرقابة الأمنية في المدن الكبرى بل الشوارع الرئيسية غالبًا، في حين أن الأحياء الشعبية والأزقة والقرى قد ظلت في بعض الأحيان في منأى عن هذا التشدد الأمني؛ إلا أن عملية “الأمننة” وحضور العناصر الأمنية، قد سببا هلعًا لعناصر الخلايا الإرهابية وتم أخذ الاحتياطات اللازمة عبر توقيف أعمال التنسيق بشكلٍ مؤقت. أدت مستويات اليقظة الأمنية الأقل والانشغال بقضايا الفيروس إلى محاولة استغلال هذه الثغرة في العديد من الدول خاصة وأن ارتداء الأقنعة الطبية الإلزامية كان مُساعدًا لإخفاء الهوية[13].

  1. الجانب اللوجستيكي

ساهم وقف الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وكذا إجراء وقف التنقلات ما بين المُدن إلى تصعيب إجراءات التنسيق والسفر والتحضير الجماعي للأعمال الإرهابية، خاصة وأن الخلايا التي كانت تُفكك بشكلٍ دوري من لدن المكتب المركزي للأبحاث القضائية تميزت بخاصية الانحدار من مُدنٍ ومناطقٍ إقليمية مُختلفة[14]. تم إقرار الرفع التدريجي للحجر الصحي في 11 يونيو/ حزيران 2020 وأضحت تدابير المرحلة الثانية من “مُخطط تخفيف الحجر الصحي” ساريةً منذ 24 يونيو/ حزيران 2020، إذ قضت بتصنيف جهات المملكة إلى صنفين (منطقة التخفيف رقم 1 ومنطقة التخفيف رقم 2)[15]– وبمجرد ما تراجع عامل التشدد الأمني المُرافق لحالة الأمننة الصحية وعن الرقابة العامة لتحركات المواطنين – بدأت بعض الخلايا الإرهابية تنشط في الجهات الإقليمية ضمن منطقة التخفيف رقم (1) والتي عرِفّت تساهلاً أكبر مُقارنةً مع المنطقة رقم (2). فبتاريخ 07 يوليوز/ تموز 2020 تم تفكيك أول خلية إرهابية من المكتب المركزي للأبحاث القضائية منذ شهر مارس/ آذار قبل إعلان حالة الطوارئ الصحية، وذلك بمدينة الناظور التابعة للإقليم الشرقي والذي عرِف بدوره تخفيفًا[16].

لعلّ أهم نشاطٍ لتفكيك الخلايا الإرهابية هو الذي تم بتاريخ 10 سبتمبر/ أيلول 2020؛ إذ تم تزامنيًا بأربع مُدنٍ مغربية (تمارة، الصخيرات، تيفلت، طنجة) في نفس الآن. تبرز أهمية هذا الحدث من الناحية اللوجستيكية في الوصول إلى مرحلة مُتقدمة من الإعداد والتَهْيِيء برغم من الاكراهات المرتبطة بإجراءات الطوارئ الصحية، وعلى الرغم من أن أحد هذه المُدن “طنجة” لازالت تحت إجراءات غلقٍ نسبية كونها خاضعة لمنطقة التخفيف رقم (2)،  فقد كشفت الخبرة التقنية كون أن العناصر المشتبهة، قد حولت الشقق السكنية التي ألقي القبض عليهم فيها لملاذاتِ آمنة وقاعدة خلفية للتنسيق[17].

يتضح أيضًا من تصريح عبد الحق الخيام مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية أن تمويل الخلية هو ذاتي داخلي، وأن المواد الكيميائية المحجوزة هي في الواقع مواد مُتاحة قانونيًا وتُباع بشكلٍ عمومي[18]، يُمكن أن تكوِّنَ أنواعًا من المتفجرات الناسفة حسب ما صرح به رئيس معهد العلوم الجنائية بالمديرية العامة للأمن الوطني[19].

  1. غياب أماكن الاستهداف

ساعدت إجراءات الغلق على تقويض فرص القيام بأعمال إرهابية من حيث عدم إمكانية وجود هجماتٍ واسعة النطاق ومُعقدة، في ظِل وقف أنشطة السياحة والمطاعم والفنادق وحتى الكنائس والمعابد اليهودية[20]، والتي كانت نقاط الاستهداف في مُجمل تاريخ الأعمال الإرهابية بالمغرب (تفجير فندق أطلس آسني بمراكش عام 1994، أحداث الدار البيضاء 2003، أحداث 2007، تفجير مقهى أركانة 2011 بمراكش، وهجوم إمليل 2018). وفي غياب الحشود الكبيرة وتجمعات الأجانب والأحداث الترفيهية والملاهي الليلية والأماكن العمومية التي تحظى برمزية، إضافة إلى إجراءات التباعد الجسدي التي تجعل تكتيكات مثل الطعن والدهس بالعربات أقل فعالية، لم يكُن من المُرجح إذًا أن تستأنف الخلايا الإرهابية أعمالها خلال هذه الظروف، خاصة وأن المغرب لا يتوفر على تنظيماتٍ إرهابية وشبكاتٍ منظمة ومتماسكة مثل بعض الدول العربية الأخرى.

  1. التغطية الإعلامية خلال فترة كوفيد 19

سلّطت التغطية الإعلامية وطنيًا الضوء خلال فترة الطوارئ الصحية على قضايا فيروس كوفيد 19 بشكلٍ كبير[21]، في حين هُمِشَت باقي المواضيع. وهذا عامل يثني العناصر الإرهابية من المُبادرة تلقائيًا؛ إذ أن الهدف من القيام بهجماتٍ إرهابية ليس هو إزهاق عددٍ كبيرٍ من الضحايا، بل خلق حالة ذُعر عامة واحتلال الاهتمام إعلاميًا. ورغم إعلان الأمم المتحدة عن وقف إطلاق نار عالمي استجابت له بعض التنظيمات الإرهابية، إلا أن هناك كياناتٍ أخرى استغلت هذه الثغرة لتصعيد هجماتها خاصة في أفريقيا وآسيا، إذ فقط ما بين شهر مارس/ آذار إلى شهر يونيو/ حزيران 2020 كان هناك حوالي 90 عمل إرهابي يشمل كذلك أعمال التطرف اليميني والذئاب المُنفردة بأروبا والولايات المُتحدة الأمريكية. وجُل هذه الأعمال خلال هذه الفترة، لم تحظى بنفس القدر من النقاش كما كان عليه الأمر سابقًا نظرًا للاهتمام الكبير بالقضايا الصحية والوبائية، وهذا ما يُلاحظ مثلاً من هجومي فرنسا في أبريل/ نيسان 2020[22].

  1. استمرار الأيديولوجيا المُتطرفة سيبرانيًا

فرض السياق العالمي للإرهاب خلال فترة كوفيد 19، تكييف الخطابات المُتطرفة والانحياز نحو الأنترنت كملاذ، لاسيما وأن فئات عدة خاصة القاصرين مثلاً يتمدرسون منزليًا ويلجون إلى الأنترنت بشكلٍ أكبر. هكذا، فإن أغلب الاعتقالات الفردية التي تمَت خلال فترة كوفيد 19 تحت طائلة تشريع الإرهاب بالمغرب، ارتبطت في الواقع بالأنترنت، كما لا يزال يتم استخدام شبكات ك ((تيليغرام telegram)) من لدن العناصر الجهادية للتواصل والتنسيق. فبالإضافة إلى الحالات السابقة، أوقفت عناصر الفرقة المحلية للشرطة بمدينة مريرت التابعة لإقليم بني ملال-الخنيفرة بتاريخ 29 يونيو/ حزيران 2020، شخصين لاتهامهما بالإشادة بالإرهاب وبالتحريض على ارتكاب جناياتٍ ضد الأشخاص بواسطة وسائط التواصل الاجتماعي[23].

 

خلاصة

إن فرض الأجهزة الأمنية بالمغرب لقواعد الصحة العامة خلال المرحلة الأولى من حالة الطوارئ الصحية، قد ترتب عنه توقيف عددٍ من الأفراد بتهم التطرف والإرهاب بالصدفة؛ إلا أن الأمر لم يتعلق بالمرة بشبكاتٍ وخلايا إرهابية منظمة، بل بحالاتٍ فردية غير مُباشرة، وذلك على عكس التنسيق الدولي مع شركاء المغرب مثل إسبانيا والذي شهد استقرارًا في وتيرته شيئًا ما. أدى التكثيف الأمني بالشوارع وتقويض حركات النقل والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن السياق الدولي المُرتبط بالتحول إلى المجال السيبراني في الخطابات الراديكالية والتركيز الإعلامي نحو قضايا الصحة وتجاهلها للأحداث الإرهابية التي وقعت خلال هذه الفترة الزمنية، إلى كبح التنسيقات الإرهابية بشكلٍ مؤقت والتي سُرعان ما بدأت تنشطت بعد أن رُفع الحجر الصحي وبدأت إجراءات التخفيف.